الخميس، 4 مارس 2010

الشعــــــــــاع

أمسكت بطانيتى التى ألتحف بها ، ربطت أطرافها فى أسياخ الشباك ، وقفت عليها أتأمل السماء الصافية ، أملأ رئتى بالهواء النقى ، أحلق فى الآفاق ، أراقب الطيور على الشجرة القريبة تعود إلى صغارها التى فتحت أفواهها راقصة بأجنحتها فتلقى الطعام فى أفواهها ، لا تعبأ بالحراس فوق الأسوار العالية والأسلاك الشائكة ، تهزهز أفكارى ، حول المائدة الصغيرة على الأرض ، أقطع لقمة صغيرة أغمسها فى الطعام ، أتذوقها بطرف لسانى لأتأكد أنها ليست ساخنة وأضعها فى فم عصفورتى ، أراقبها وهى تبتلع لقمتها فأشبع .يد من الأسفل تجذبنى ، - إنزل الفطار جاهز يا عادل ، طائر أبيض يهبط على الفرع القريب من الشباك ، يبدو أنه رآنى ، يختبئ خلف الأوراق ، يظهر ويختبئ ، عصفورتى تختبئ خلف الباب لتفاجئنى لحظة دخولى ، أمثل أننى خفت منها ، أفرد جناحى ، تدخل مسرعة إلى عشها وتطبع قبلتها الرقيقة على وجنتى ، خفقان ورعشة فى قلبى وجسدى ، الطائر يظهر بكامله أمامى ، يقترب ، إئتنس بى ، مددت يدى ببطء بقطعة خبز يابسة كانت على الشباك ، الطائر يتردد ، عصفورتى تكبر أمامى لحظة بلحظة ، تذهب إلى المدرسة ، أذاكر لها دروسها ، الطائر يخطف اللقمة ويحلق فى الفضاء ...- عادل لك زيارة إنزل ... أطلق العنان لجناحى ، أطير تاركاً شباكى ، أهوى إلى الأرض بعد سنوات من التحليق فى الآفاق ...وجدت نفسى فى صالة الزيارة بعد تصفيف شعرى وارتدائى جلباب جديد ، الوفود تتزاحم ، لهفة وشوق ، أحضان وقبلات ، دموع وزغاريد ، الأصوات عالية وعيناى على الباب ، تظهر سيدة بنظارة طبية ، تنظر بلهفة حولها ، خفق قلبى سريعاً ولم أشعر وأنا أطير نحوها ، تلمحنى ، تلقى ما فى يديها وتفرد جناحيها لتستقبل صغيرها ، تسكب العبرات وتختنق الكلمات ، أرفع وجهى فى عينيها ، زحفت التجاعيد إلى وجهها وزاد وزنها ، أقبل يدها ورأسها ، - سامحينى يا أمى لم أختر قدرى ، تلتفت حولها ، تمسك بشابة جميلة رقيقة ، عاودتنى الخفقة والرعشة فى قلبى وجسدى ، أقترب منها ، حبات اللؤلؤ تنساب على تفاحتين ناضجتين ، أضلاع صدرى فشلت فى احتواء إنفجارات قلبى ، صوت رقيق مختنق يخرج من شفتيها – بابا ، الكلمة التى حرمت منها طويلاً أعادت لى الحياة وطعمها يزداد حلاوة فى ريقى ، أفرد لها جناحى فتبتسم فى حياء وتلقى نفسها فى عشها ، أجلسها على الأرض ومازلت أحتويها بجناحى .  
 

 

عاطف العزازى
نشرت بجريدة المصير المصرى 
عدد مايو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق